فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما ذكر الظلام والنور الحسيين، أتبعه المعنويين نشرًا مشوشًا ليكشف قسما الظلام قسمي النور إشارة إلى أن المهتدي عزيز الوجود، كالذهب الإبريز بين النقود، فقال: {والذين آمنوا} أي أوجدوا هذه الحقيقة ثبتت أو لا {وعملوا الصالحات} كذلك فكانوا محسنين {ولا المسيء} أي الثابت الإساءة الذي كفر وعمل الصالحات، ووقع التغاير في العطف لأن المراد- والله أعلم- نفس التساوي بين أفراد الأعمى وأفراد البصير والمحسن والمسيء، ولكنه لما كان في المخاطبين الغبي والذكي، عطف البصير بغير لا ليكون ظاهر ذلك نفي المساواة بين نوعي الأعمى والبصير، لأن نفي المساواة بين أفراد الأنواع دقيق، واقتصر على الواو في عطف {الذين آمنو} لأنه لا ينتظم أن يراد جعل الأعمى والبصير فريقًا والمؤمن الموصوف فريقًا، وينتفي التساوي بينهما لأنه لا لبس في أن المؤمنين الموصوفين كالبصير، وليس فيهم من يتوهم مساواته للأعمى، فكان من الجلي معرفة أن المراد نفي مساواة الأعمى للبصير ونفي مساواة المؤمن الموصوف للمسيء، وزيدت لا في المسيء وعبر فيه بالإفراد إشارة للفطن إلى أن المراد نفي التساوي بين أفراد كل نوع لأن ذلك أدل على القدرة، وأنها بالاختيار، وهذا بخلاف الظلمات في سورة فاطر لأنه لو تركت لا هناك لتوهم متوهم أن المنفي المساواة بين الأعمى والبصير وبين الظلمات، فيوجد حينئذ الطعن بأن الظلمات مساوية لهما باعتبار أن الظلمة منها كثيف جدًّا لا يمكن نفوذ البصر فيه، ومنها خفيف جدًّا يكون تسميته ظلامًا بالنسبة إلى النور الساطع، والآية من الاحتباك: ذكر عمل الصالحات أولًا دليلًا على ضدها ثانيًا، والمسيء ثانيًا دليلًا على المحسنين أولًا، وسره أنه ذكر الصلاح ترغيبًا والإساءة ترهيبًا.
ولما تقرر هذا على هذا النحو من الوضوح الذي لا مانع للإنسان من فهمه ورسوخه في علمه إلا عدم تذكره لحسه حتى في نفسه قال تعالى: {قليلًا ما يتذكرون} أي المجادلون أو أيها المجادلون أو الناس لأن المتذكر غاية التذكر- بما دل عليه الإظهار- منكم قليل- على قراءة الكوفيين بالخطاب لأنه أقوى في التبكيت، وأدل على الغضب.
ولما ثبت بهذا كله تمام القدرة وانتفى ما توهمه من لا بصر له من الطبائع ثبت قطعًا قوله: {إن الساعة} أي القيامة التي يجادله فيها المجادلون {لآتية} وعزتي! للحكم بالعدل في المقارنة بين المسيء والمحسن لأنه لا يسوغ في الحكمة عند أحد من الخلق أن يساوي أحد بين محسن عبيده ومسيئهم، فكيف يظن ذلك بأحكم الحاكمين الذي نشاهده يميت المسيء وهو في غاية النعمة والمعصية، والمحسن وهو في غاية البلاء والطاعة، والمظلوم قبل أن ينتصف من الظالم، ولهذا الأمر الظاهر قال: {لا ريب فيها} أي لا شك في إتيانها بوجه من الوجوه، لأفضي فيها بالعدل فأدخل فيها ناسًا دار رحمتي، وآخرين نقمتي.
ولما وصل الحال في أمرها إلى حد لا خفاء به أصلًا، نفى الإيمان دون العلم فقال تعالى: {ولكن أكثر الناس} أي بما فيهم من النوس وهو الاضطراب، وراعى معنى الأكثر فجمع لأن الجمع أدل على المراد وأقعد في التبكيت: {لا يؤمنون} أي لا يجعلون المخبر لهم بإتيانها آمنًا من التكذيب مع وضوح علمها لديهم، وما ذاك إلا لعناد بعضهم وقصور نظر الباقين على الحس. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} اعلم أنا بينا أن الكلام في أول هذه السورة إنما ابتدىء ردًا على الذين يجادلون في آيات الله، واتصل البعض بالبعض وامتد على الترتيب الذي لخصناه، والنسق الذي كشفنا عنه إلى هذا الموضع، ثم إنه تعالى نبّه في هذه الآية على الداعية التي تحمل أولئك الكفار على تلك المجادلة، فقال: {إِنَّ الذين يجادلون في ءايات الله بِغَيْرِ سلطان} إنما يحملهم على هذا الجدال الباطل كبر في صدرهم فذلك الكبر هو الذي يحملهم على هذا الجدال الباطل، وذلك الكبر هو أنهم لو سلموا نبوتك لزمهم أن يكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك، لأن النبوّة تحتها كل ملك ورياسة وفي صدورهم كبر لا يرضون أن يكونوا في خدمتك، فهذا هو الذي يحملهم على هذه المجادلات الباطلة والمخاصمات الفاسدة.
ثم قال تعالى: {مَّا هُم ببالغيه} يعني أنهم يريدون أن يكونوا تحت يدك ولا يصلون إلى هذا المراد، بل لابد وأن يصيروا تحت أمرك ونهيك، ثم قال: {فاستعذ بالله} أي فالتجىء إليه من كيد من يجادلك {إِنَّهُ هُوَ السميع} بما يقولون، أو تقول {البصير} بما تعمل ويعملون، فهو يجعلك نافذ الحكم عليهم ويصونك عن مكرهم وكيدهم.
واعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في آيات الله بأنه بغير سلطان ولا حجة ذكر لهذا مثالًا، فقال: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} والقادر على الأكبر قادر على الأصغر لا محالة، وتقرير هذا الكلام أن الاستدلال بالشيء على غيره على ثلاثة أقسام أحدها: أن يقال لما قدر على الأضعف وجب أن يقدر على الأقوى وهذا فاسد وثانيها: أن يقال لما قدر على الشيء قدر على مثله، فهذا استدلال حق لما ثبت في العقول أن حكم الشيء حكم مثله وثالثها: أن يقال لما قدر على الأقوى الأكمل فبأن يقدر على الأقل الأرذل كان أولى، وهذا الاستدلال في غاية الصحة والقوة ولا يرتاب فيه عاقل ألبتة، ثم إن هؤلاء القوم يسلمون أن خالق السموات والأرض هو الله سبحانه وتعالى، ويعلمون بالضرورة أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وكان من حقهم أن يقروا بأن القادر على خلق السموات والأرض يكون قادرًا على إعادة الإنسان الذي خلقه أولًا، فهذا برهان جلي في إفادة هذا المطلوب، ثم إن هذا البرهان على قوته صار بحيث لا يعرفه أكثر الناس، والمراد منهم الذين ينكرون الحشر والنشر، فظهر بهذا المثال أن هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان ولا حجة، بل بمجرد الحسد والجهل والكبر والتعصب، ولما بيّن الله تعالى أن الجدال المقرون بالكبر والحسد والجهل كيف يكون، وأن الجدال المقرون بالحجة والبرهان كيف يكون، نبّه تعالى على الفرق بين البابين بذكر المثال فقال: {وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير} يعني وما يستوي المستدل والجاهل المقلد، ثم قال: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسىء} فالمراد بالأول التفاوت بين العالم والجاهل، والمراد بالثاني التفاوت بين الآتي بالأعمال الصالحة وبين الآتي بالأعمال الفاسدة الباطلة، ثم قال: {قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} يعني أنهم وإن كانوا يعلمون أن العلم خير من الجهل، وأن العمل الصالح خير من العمل الفاسد، إلا أنه قليلًا ما تتذكرون في النوع المعين من الاعتقاد أنه علم أو جهل، والنوع المعين من العمل أنه عمل صالح أو فاسد، فإن الحسد يعمي قلوبهم، فيعتقدون في الجهل والتقليد أنه محض المعرفة، وفي الحسد والحقد والكبر أنه محض الطاعة، فهذا هو المراد من قوله: {قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} قرأ عاصم وحمزة والكسائي {تَتَذَكَّرُونَ} بالتاء على الخطاب، أي قل لهم قليلًا ما تتذكرون، والباقون بالياء على الغيبة.
ولما قرر الدليل الدال على إمكان وجود يوم القيامة، أردفه بأن أخبر عن وقوعها ودخولها في الوجود فقال: {إِنَّ الساعة لأَتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ} يخاصمون {في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} أي حجة {أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} قال الزجاج: المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه.
قدره على الحذف.
وقال غيره: المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف؛ لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم إن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم، ونقصت أحوالهم، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعًا، فاعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب.
والمراد المشركون.
وقيل: اليهود؛ فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السورة.
والمعنى: إن تعظَّموا عن اتباعِ محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الدجال سيخرج عن قريب فيردّ الملك إلينا، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه فنزلت الآية فيهم.
قاله أبو العالية وغيره.
وقد تقدم في آل عمران أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة.
وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة.
وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف.
وقيل: كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا حسن؛ لأنه يعم.
وقال مجاهد: معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد.
وقيل: المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرًا كبيرًا يصلون به إليك من القتل ونحوه، ولا يبلغون ذلك.
أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه.
قوله تعالى: {فاستعذ بالله} قيل: من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود.
وعلى القول الآخر من شر الكفار.
وقيل: من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر.
{إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} {هُوَ} يكون فاصلًا ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم.
قوله تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} مبتدأ وخبره.
قال أبو العالية: أي أعظم من خلق الدجال حين عظّمته اليهود.
وقال يحيى بن سلام: هو احتجاج على منكري البعث؛ أي هما أكبر من إعادة خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك.
قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي.
{والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي ولا يستوي العامل للصالحات {وَلاَ المسياء} الذي يعمل السيئات.
{قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأجل ما قبله من الخبر وما بعده.
وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب.
قوله تعالى: {إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} هذه لام التأكيد دخلت في خبر إن وسبيلها أن تكون في أوّل الكلام؛ لأنها توكيد الجملة إلا أنها تُزحلَق عن موضعها؛ كذا قال سيبويه.
تقول: إن عمرًا لخارج؛ وإنما أخرت عن موضعها لئلا يجمع بينها وبين إنّ؛ لأنهما يؤدّيان عن معنى واحد، وكذا لا يجمع بين إنّ وأنّ عند البصريين.
وأجاز هشام إنّ أنّ زيدًا منطلق حقّ؛ فإن حذفت حقًّا لم يجز عند أحد من النحويين علمته؛ قاله النحاس.
{لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لا شك ولا مرية.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} أي لا يصدّقون بها وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الذين يجادلون في ءايات الله} دلائله سبحانه التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة وما أظهر على أيدي رسله من المعجزات {بِغَيْرِ سلطان اتِيهِمْ} أي بغير حجة في ذلك أتتهم من جهته تعالى، والجال متعلق بيجادلون وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة إتيان الحجة للإيذان بأن المتكلم في أمر الدين لابد من استناده إلى حجة واضحة وبرهان مبين، وهذا عام في كل مجادل مبطل وإن نزل في قوم مخصوصين وهم على الأصح مشركو مكة.
وقوله تعالى: {إِن في صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} خبر لإن و{إن} نافية، والمراد بالصدور القلوب أطلق عليها للمجاورة والملابسة، والكبر والتكبر والتعاظم أي ما في قلوبهم إلا تكبرا عن الحق وتعاظم عن التفكر والتعلم أو هو مجاز عن إرادة الرياسة والتقدم على الإطلاق أو إرادة أن تكون النبوة لهم أي ما في قلوبهم إلا إرادة الرياسة أو أن تكون النبوة لهم دونك حسدًا وبغيًا حسبما قالوا: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وقالوا: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] ولذلك يجادلون في آياته تعالى لا أن فيها موقع جدال ما أو أن لهم شيئًا يتوهم صلاحيته لأن يكون مدارًا لمجادلتهم في الجملة، وقوله تعالى: {مَّا هُم ببالغيه} صفة لكبر أي ما هم ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو ما متعلق إرادتهم من دفع الآيات أو من الرياسة أو النبوة، وقال الزجاج: المعنى ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر عليك وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله تعالى أذلهم، وقيل: الجملة مستأنفة وضمير {بالغيه} لدفع الآيات المفهوم من المجادلة، وما تقدم أظهر، وقال مقاتل: المجادلون الذين نزلت فيهم الآية اليهود عظموا أمر الدجال فنزلت وإلى هذا ذهب أبو العالية.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم بسند صحيح عنه قال: إن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الدجال يكون منا في آخر الزمان ويكون من أمره ما يكون فعظموا أمره وقالوا: يصنع كذا وكذا فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين يجادلون} الخ، وهذا كالنص في أن أمر اليهود كان السبب في نزولها، وعليه تكون الآية مدنية وقد مر الكلام في ذلك فتذكر.
وفي رواية أن اليهود كانوا يقولون: يخرج صاحبنا المسيح بن داود يريدون الدجال ويبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله فيرجع إلينا الملك، حكاها في الكشاف ثم قال: فسمي الله تعالى تمنيهم ذلك كبرًا ونفي سبحانه أن يبلغوا متمناهم، ويخطر لي على هذا القول أن اليهود لم يريدوا من تعظيم أمر الدجال سوى نفي أن يكون نبينا صلى الله عليه وسلم النبي المبعوث في آخر الزمان الذي بشر به أنبياؤهم وزعم أن المبشر به هو ذلك اللعين، ففي بعض الروايات أنهم قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: لست صاحبنا يعنون النبي المبشر به أنبياؤهم، فالإضافة لأدنى ملابسة بل هو المسيح بن داود يبلغ سلطانه البر والبحر ويسير معه الأنهار، وفي ذلك بزعمهم دفع الآيات الدالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم والداعي لهم إلى ذلك الكبر والحسد وحب أن لا تخرج النبوة من بني إسرائيل، فمعنى الآية عليه نحو معناها على القول بكون المجادلين مشركي مكة.
ثم إن اليهود عليهم اللعنة كذبوا أولًا بقولهم للنبي عليه الصلاة والسلام: لست صاحبنا، وثانيًا بقولهم: بل هو المسيح بن داود يعنون الدجال، أما الكذب الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه لم يبعث نبي إلا وقد حذر أمته الدجال وأنذرهم إياه كما نطقت بذلك الأخبار، وهم قالوا: هو صاحبنا يعنون المبشر ببعثته آخر الزمان، وكل ذلك من الجدال في آيات الله تعالى بغير سلطان {فاستعذ بالله} أي فالتجىء إليه تعالى من كيد من يحسدك ويبغي عليك، وفيه رمز إلى أنه من همزات الشياطين، وقال أبو العالية: هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من فتنة الدجال بالله عز وجل {أَنَّهُ السميع البصير} أي لأقوالكم وأفعالكم، والجملة لتعليل الأمر قبلها.